الجمعة، 15 أبريل 2016

"القصبجي" مهندس الموسيقى العربية

صورة من الموضوع كما تم نشره ورقيا

اكتشف أم كلثوم وكان أحد أهم أركان المدرسة التطريبية


القاهرة – "الخليج":
___________

لعل عام 1892 هو عام الموسيقى العربية الأصيلة، ففي هذا العام ولد عملاقان من عمالقة الموسيقى العربية، احتفلنا بأحدهما في شهر مارس الماضي، وهو سيد درويش، أما العملاق الثاني فهو محمد القصبجي.
أربعة وسبعون عاما، قدم خلالها القصبجي للموسيقى العربية روائع الألحان الغنائية، وروائع الطرب، من مقطوعات و"طقطوقات" و"أدوار" وموشحات أصيلة، ومطورة في آن واحد.
ولعل من يستمع إلى أم كلثوم أو أسمهان، أو حتى محمد عبد الوهاب، في أغنياتهم التي لحنها محمد القصبجي، يدرك مدى السبق الذي حققه هذا الملحن الفنان، والرائد العملاق.
ونحن في الذكرى المئوية لميلاد القصبجي، رأينا أن نلتقي بعدد من متخصصي الموسيقى، الذين ظننا أن إبداع القصبجي لا يخفى عليهم، ومن هؤلاء الدكتورة رتيبة الحفني، والفنان عبد العظيم عبد الحق، والمؤرخ الموسيقي محمود كامل، والدكتورة سمحة الخولي، ليلقوا لنا بعض الضوء على هذه الشخصية البارزة في عالم الموسيقى والطرب.

اكتشاف أم كلثوم


تقول الدكتورة رتيبة الحفني: محمد القصبجي يعد من أهم الرواد في الموسيقى العربية، فهو الذي أثرى الموسيقى العربية بما قدمه، ويظهر دوره واضحا في ترجمة النظريات الموسيقية الغربية إلى المسيقى العربية، أو بمعنى آخر.. قام بنقل وتطبيق النظريات الموسيقية الحديثة، على الموسيقى العربية، بعكس عبد الوهاب الذي ترجم بعض الألحان... وساهم القصبجي – بذلك – مساهمة كبيرة في إثراء الوعي الموسيقي العربي.
كما يرجع إلى القبجي الفضل في اكتشاف كوكب الشرق أم كلثوم، فهو الذي وجهها الوجهة الفنية الصحيحة، وساهم بألحانه في كثير من أغنياتها.

المدرسة التطريبية


.. أما الفنان عبد العظيم عبد الحق، فأكد أن القصبجي، من وجهة نظره، يختلف عن سيد درويش، إذ أن مدرسة سيد درويش الموسيقية هي "المدرسة التعبيرية"، أما محمد القصبجي فينتمي إلى "المدرسة التطريبية" .. ويعد أحد أهم أركان هذه المدرسة في الموسيقى العربية الحديثة.

دقة والتزام


.. المؤرخ الموسيقي محمود كامل قال: عرفت القصبجي عن قرب، ومن خلال علاقتي به فإنني أعرف أنه كان حريصا إلى درجة كبيرة، وكانت لديه صفة حب التملك، ولذلك شواهد عديدة، فمثلا كان القصبجي حريصا على أن يجمع في غرفته مقتنيات كثيرة، من أنواع مختلفة، من علب الكبريت المختلفة، إلى جانب علب السجائر، من الأنواع المختلفة، رغم أنه لم يكن يدخن، وكذلك الساعات من جميع "الماركات".. وغير ذلك.
كما كان القصبجي حريصا في علاقاته، حتى أنني استغرقت ما يقرب من ثلاث سنوات حتى استطعت دخول غرفته الخاصة.
ولعل هذا الحرص والدقة والالتزام كان واضحا في ألحانه أيضا، إذ كانت الموازين والجمل الموسيقية في ألحانه على درجة كبيرة من الدقة والانضباط والتحديد، ولا توجد فيها فرصة أو مجال - لمؤديها من المطربين في التعديل أو التغيير، حتى أنه يمكننا القول إن محمد القصبجي هو مهندس الموسيقى العربية.
ونحن نلاحظ ذلك بوضوح عندما نستمع إلى أم كلثوم وهي تؤدي لحنا للقصبجي، فنراها ملتزمة بحدود اللحن التزاما صارما، بعكس ما نلاحظه عندما نستمع إليها تؤدي لحنا لزكريا أحمد مثلا، وهو الذي كان يضع ألحانه مع كثير من "الكرم الموسيقي" إن صح التعبير، وهذا لا يقلل من شأن زكريا أحمد، وإنما هو اتجاه آخر من الاتجاهات الفنية.

.. وقالت الدكتورة سمحة الخولي: كان القصبجي ملحنا متميزا، وكان ممتلئا بالموسيقى العربية، وساهم في تطويرها بعناصر من داخلها، فهو لم يضف إلى الموسيقى العربية أية إضافات من الموسيقى الأوروبية، وإنما أضاف للموسيقى والألحان العربية حساسية، وتعبيرا، ومرونة أكثر، وذلك واضح جدا في أغنيات أم كلثوم وعلى رأسها "رق الحبيب" التي تتميز بالدرامية العالية، وذلك بشكل لا تشوبه أية شائبة من التغريب.
كان القصبجي ملحنا غنائيا بالدرجة الأولى، وبالتالي عندما يلحن لصوت ما، كان يحرص تماما على إبراز إمكانات هذا الصوت على أفضل صورة، وبكل الوسائل المتاحة له، وذلك من خلال رؤيته اللحنية.. وأذكر أنه قال إنه يجب أن يكون للمغني نوع من الابتكار الخاص به.. وهو بذلك لم يغلق أمام هذا المغني أو ذاك الباب لإظهار إمكانياته وطاقاته.

أسامة جاد



نُشِرَ هذا الموضوع في جريدة "الخليج" الإماراتية، بتاريخ 10/5/1992م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق